الغدة النخامية هي عبارة عن غدة صغيرة جدًا لا تتجاوز نصف جرام، لكنها تتحكم في كل شيء في جسم الإنسان، حيث تعمل على تنظيم عمليات الاستقلاب وتسيطر على الغدد الأخرى، لذلك يُطلق عليها لقب “سيدة الغدد” في جسم الإنسان. تقع الغدة في التجويف العظمي في جمجمة الإنسان، أسفل الدماغ، في منطقة تعرف بـ “Sella turcica”، أو السرج التركي، حيث لها ثلاثة فصوص، وقطر يبلغ 1 سم، ووزن يقارب 0.5 جرام. يُقال عنها إنها غزيرة التروية الدموية، حيث إنها تحتوي على شبكة واسعة من الأوعية الدموية الدقيقة، ويتم تشريحها بشكل وظيفي إلى قسمين منفصلين؛ قسم النخامية الأمامية الغدية الذي يفرز نحو ستة هرمونات أساسية، وبعض الهرمونات قليلة الأهمية، والنخامية الخلفية العصبية التي تفرز هرمونين إثنين، وهناك أيضًا الفص الوسطي. تُعتبر الغدة النخامية مايسترو الغدد لأنها هي التي تنظم باقي الغدد، ويوجد علاقة بينها وبين الهيبوثالاموس؛ كلما زاد هرمون تلك الغدة تحكم بالنمو الطول والضخام

ما هي هرمونات الغدة النخامية:

أولًا: هرمون النمو GH: هو أحد أهم الهرمونات الموجودة في الغدة النخامية، حيث يحفز عملية النمو في جميع أنحاء الجسم من خلال تنشيط تكوين البروتينات والتحكم في نمو الخلايا وتقسيمها وتمايزها.

ثانيًا: هرمون قشرة الكظر ACTH: يعمل هذا الهرمون على ضبط إفراز هرمونات قشرة الكظر التي تسهم في استقلاب السكر والدهون والبروتينات.

ثالثًا: هرمون الحث للدرق TSH: يسيطر هذا الهرمون على إفراز هرمونات الغدة الدرقية، والتي بدورها تسهم في التحكم في معدل الأيض والتفاعلات الكيميائية في الجسم.

رابعًا: هرمون البرولاكتين PL: وظيفته تطوير ونمو غدة الثدي ومساعدة إنتاج الحليب أثناء فترة الرضاعة للمرأة.

خامسًا: هرمون الحث للجريبات FSH والهرمون المنبه LH: ينتج هذان الهرمونان الجنسيان الهرمونات الجنسية وينظمان نمو المبيض للإناث والخصية للذكور وإنتاج الهرمونات أثناء فترة الحمل للإناث.

تلك الهرمونات الست تُفرز من الفص الأمامي للغدة النخامية. الآن نلقي نظرة على هرمونات الفص الخلفي:

أولًا: هرمون مضاد للإدرار ADH: يتحكم هذا الهرمون في معدل الإفراز البولي للماء وله دور في تنظيم تركيز الماء في أجزاء الجسم المختلفة.

ثانيًا: هرمون الأوكسيتوسين: يساعد هذا الهرمون في إنتاج الحليب في غدد الثدي وله دور في نهاية عملية الولادة.

تلك الهرمونات المهمة تلعب دورًا كبيرًا في الجسم وتنظم عملية التوازن الاستقلابي والبنائي للإنسان. أورام الغدة النخامية هي أورام حميدة تشكل الورم الثاني الأكثر شيوعًا داخل الجمجمة بعد الأورام السحائية. يبلغ معدل حدوث ورم الغدة النخامية 4.36 لكل 100,000 شخص ويمكن أن يصيب جميع الفئات العمرية. ومع ذلك، فإن ورم الغدة النخامية نادر في العقد الأول من الحياة بنسبة انتشار تتراوح بين 1-10% مقارنة بجميع أنواع أورام المخ في تلك الفئة العمرية. تزداد فرص تطور ورم الغدة النخامية بالعمر، ويعتبر النوع غير الإفرازي الأكثر شيوعًا بعد سن الأربعين. تعتمد الأعراض بشكل كبير على مدى قدرة الورم على تعطيل توازن الهرمونات. تميل اورام الغدة النخامية التي تفرز الهرمونات، والمعروفة أيضًا باسم الأورام “الوظيفية”، إلى الظهور في مراحل مبكرة من السير السريري للمرض. على النقيض من ذلك، فإن أورام الغدة النخامية التي لا تفرز الهرمونات، والمعروفة أيضًا باسم الأورام “غير الوظيفية”، عادة ما تظهر بعد بلوغ حجم نقطة حرجة، مما يؤدي إلى ضغط على الهياكل العصبية و/أو الوعائية المحيطة.
الخطوة الأولى في علاج المريض المصاب بورم الغدة النخامية هو التمييز بين الورم الذي يفرز الهرمونات والورم الذي لا يفرزها. يعتمد تصنيف الأنواع التي تفرز الهرمونات على الهرمون المحدد الذي يفرزه الورم. على الرغم من التقدمات في العلاج الدوائي والعلاج الإشعاعي، العلاج الجراحي لا يزال الطريقة الرئيسية لعلاج معظم اورام الغدة النخامية.

قد تظهر أورام الغدة النخامية بعدة أعراض مختلفة. تشمل هذه الأعراض: علامات وأعراض فرط إفراز الهرمونات، اضطراب الغدة النخامية، وتأثير الكتلة على الهياكل العصبية المحيطة، أو قد تظهر بشكل حاد مع الصداع و تغير في الحالة العقلية بسبب نزيف داخل الورم النخامي. ومع ذلك، ليس من النادر اكتشاف ورم الغدة النخامية بالصدفة عن طريق الرنين المغناطيسي للدماغ. تبين بأن 10% من الأشخاص البالغين قد يكونون يعانون من ورم الغدة النخامية اللاعرضية من دون وجود اي اعراض.

Prolactinoma برولاكتينوما

برولاكتينوما هي النوع الأكثر شيوعًا في الأورام النخامية الافرازية، حيث يبلغ معدل حدوثها 50% من جميع أورام الغدة النخامية.
تشمل أعراض زيادة هرمون البرولاكتين عند الذكور الانخفاض في الرغبة الجنسية، واضطرابات جنسية، ونقص عدد الحيوانات المنوية (ناتج عن قصور الغدة التناسلية الثانوية). في الإناث المتقاربات من سن اليأس، غالبًا ما يُلاحظ متلازمة العدم الانتظام في الدورة الشهرية وتسرب الحليب من الثدي، وهي مجموعة من ثلاثة أعراض تشمل تسرب الحليب، وعدم انتظام الدورة الشهرية، والعقم. في الأطفال والمراهقين، يتم مشاهدة توقف النمو، وتأخر بلوغ البلوغ، والعدم الانتظام الرئيسي للدورة الشهرية بشكل متكرر. يمكن أيضًا أن تكون الأعراض ناتجة عن تأثير الكتلة الذي قد يسبب صداعًا، ونقص في حقل الرؤية، وشلل الأعصاب القحفي، ونوبات صرع، وتوسع في حجيرات الدماغ.
يتطلب تشخيص برولاكتينوما وجود دليل إشعاعي على وجود ورم بالإضافة إلى زيادة مستمرة في هرمون البرولاكتين.
يعتمد علاج البرولاكتينوما على عدة عوامل: حجم الورم، وأعراض المريض وتفضيلاته، ومستوى هرمون البرولاكتين. يتطلب جميع المرضى الذين يعانون من ورم كبير الحجم علاجًا، ومع ذلك، يمكن متابعة المرضى الذين يعانون من أورام صغيرة ومعاناه من الأعراض بشكل طفيف (على سبيل المثال، المرأة قبل سن اليأس ذات الدورات الشهرية الطبيعية وتسرب الحليب، أو المرأة بعد سن اليأس ذات تسرب الحليب المقبول) من خلال قياس مستوى هرمون البرولاكتين بشكل متسلسل وإجراء فحص رنين مغناطيسي للدماغ بشكل دوري لمتابعة حجم الورم. تستجيب برولاكتينوما بشكل جيد جدًا للعلاج الطبي، والمنبهات للدوبامين هي الخط الأول في الإدارة (على سبيل المثال، بروموكريبتين أو كابرغولين)

الأكروميغاليا و تضخم الأطراف Acromegaly and Gigantism

الأكروميغاليا هي اضطراب نادر ينتج عن التعرض لمستويات عالية من هرمون النمو والذي يرتبط بمرضية ووفيات كبيرة. السبب الأكثر شيوعًا للأكروميغاليا هو ورم الغدة النخامية. مثل أنواع الأورام النخامية الأخرى، يمكن أن تظهر أورام الغدة النخامية التي تفرز هرمون النمو مع أعراض الكتلة و/أو مع علامات وأعراض تأثير الهرمون المفرط الناتج عنها. تشمل مظاهر الأكروميغاليا الخصائص العكرية مثل تضخم اليدين والقدمين، وتوسع العظام الوجهية الذي ينتج عنها بروز الجبهة (بروجناثيزم)، وتوسع الفك العلوي مما يؤدي إلى فصل الأسنان وتحرك الفك. كما يمكن للمرضى أن يعانوا من ارتفاع ضغط الدم، و خشونة مبكرة في المفاصل.
يبدأ التشخيص السريري بملاحظة المظاهر النمطية لزيادة إفراز هرمون النمو. بمجرد الاشتباه في ذلك، يتم قياس مستوى هرمون النمو في الصباح الباكر ومستوى IGF-1، بالإضافة إلى رنين مغناطيسي للغدة النخامية.
الاستئصال الجراحي عبر الطريق النخاعي الأنفي هي الوسيلة العلاجية القياسية الذهبية. يُقدم العلاج الإشعاعي للمرضى الذين يعانون من ورم متكرر بعد الاستئصال جراحي أو في استجابة غير كافية على العلاج الطبي.

مرض كوشنغ Cushing’s disease

مرض كوشنغ هو متلازمة سريرية ناتجة عن التعرض لمستويات فوق الطبيعية من الكورتيزول بسبب فرط إفراز هرمون القشرة الكظرية (ACTH) من الغدة النخامية. يبلغ معدل الإصابة السنوي بمرض كوشنغ حوالي 2.4 حالة / مليون ومعدل انتشاره 39.1 حالة / مليون.
أورام الغدة النخامية التي تفرز هرمون ACTH نادرة، حيث تشكل حوالي 6٪ من أورام الغدة النخامية، مع سيطرة الإناث (3: 1).
تؤثر مستويات الكورتيزول العالية بشكل ضار على معظم الأعضاء و الأنظمة الحيوية في الجسم. وتشمل أكثر العلامات والأعراض شيوعًا عدم تحمل الجلوكوز/مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، والوجه المستدير الشاحب، وانخفاض الرغبة الجنسية عند الجنسين، وعدم انتظام الدورة الشهرية لدى الإناث. وتشمل الظواهر الأخرى هشاشة العظام، وتلف الجلد وسهولة التعرض للكدمات، وحب الشباب، وضعف العضلات. في الفئة العمرية للأطفال، يجب شك في مرض كوشنغ في الأطفال الذين يظهرون زيادة سريعة في الوزن، وتأخر النمو، ووجود تراكم دهني في منطقة الرقبة و وسط الظهر.

التعرف المبكر على مرض كوشنغ أمر حيوي للحد من الآثار الطويلة الأمد للتعرض لمستويات عالية من الكورتيزول. الخطوة الأولى في التشخيص تعتمد على الشك السريري. يتم تأكيد التشخيص من خلال مستوى الكورتيزول في الدم المرتفع والرنين المغناطيسي للغدة النخامية.
العلاج الوحيد المتاح حاليًا هو الجراحة، والهدف يجب أن يكون إزالة الورم بالكامل. يعتمد الشفاء الجراحي ومعدل العودة على خبرة الجراح وحجم الورم وامتداده إلى خارج الجيب وكشف الورم في الرنين المغناطيسي قبل العملية. يجب أيضًا تقديم الجراحة للمرض المتكرر أو الاستئصال غير الكامل

أورم الغدة النخامية الغير وظيفي

تمثل الأورام الغير وظيفية، أو الغير إفرازية، نحو 10-20% من جميع الأورام داخل الجمجمة و15-30% من جميع أورام الغدة النخامية. إنها ثاني أكثر أورام الغدة النخامية شيوعًا بعد البرولاكتينوما. يتميز ورم الغدة النخامية الغير وظيفي ببعض الجوانب المختلفة مقارنة بأورام الغدة النخامية الوظيفية. أولاً، يُلاحَظ ورم الغدة النخامية الغير وظيفي عادة في مجموعات عمرية متقدمة مقارنة بأورام الغدة النخامية الوظيفية. ثانياً، يعانوا المرضى بشكل أساسي من علامات وأعراض تأثير الكتلة. ثالثاً، يعاني عدد كبير من المرضى من نقص هرمونات الغدة النخامية. من ناحية أخرى، يتم اكتشاف العديد من مرضى أورم الغدة النخامية الغير وظيفيه بشكل عرضي (ورم الغدة النخامية العرضي).

أكثر الأعراض شيوعًا لورم الغدة النخامية الغير وظيفي هو الصداع. يعد انخفاض حقل الرؤية ثاني أكثر الأعراض السريرية شيوعًا وقد يكون موجودًا في ما يصل إلى 61% من الحالات. يحدث ذلك بسبب تشوه وضغط الأعصاب البصرية ، مما قد يؤدي أيضًا إلى عواقب دائمة في حالات التشوه المزمن. يمكن أن يؤدي امتداد الورم إلى الجيوب الدماغية إلى شلل العين بسبب ضغط الأعصاب المسيطرة على حركة العيون. و يمكن ايضا أن يعوق الأورام العملاقة تدفق السائل النخاعي الدماغي ويسبب استسقاء دماغي.

النقص النخامي هو آفة شائعة أخرى لأورم الغدة النخامية الغير وظيفيه. يعاني 70-85% من المرضى من نقص في محور واحد على الأقل من إفرازات الخلايا النخامية.

يجب على جميع المرضى الذين تبين لديهم ورام الغدة النخامية في الصور الاشعاعية و الرنين المغنطيسي اجراء تحاليل هرمونية كاملة. النقص النخامي ليس نادرًا ويجب بدء العلاج بالهرمونات في المرضى الذين يعانون من نقص هرموني. يمكن رؤية نقص كامل في افراز جميع هرمونات الغدة النخامية في ما يصل إلى 30% من المرضى.

يبدأ علاج المرضى الذين يعانون من ورم الغدة النخامية الغير وظيفي بتعويض الهرمونات في حالة النقص النخامي. من الضروري التعرف على نقص الكورتيزول وعلاجه بشكل فعال. ونفس الشيء صحيح لنقص الغدة الدرقية الثانوي حيث يجب على المرضى تلقي هرمون الثيروكسين على الفور بعد تأكيد نقصه.
ينصح عادتا بالعلاج الجراحي عند المرضى الذين يعانوا من اعتلالات في النظر الناتج عن ضغط الأعصاب البصرية، واضطرابات الأعصاب القحفية، والصداع الشديد مع الإعاقة البصرية.
كما تم الايضاح سابقا, معظم اورام الغدة النخامية يتم علاجها جراحيا و ذلك باستخدام المنظار الجراحي عبر فتحة الأنف. نادرا قد يطر الطبيب المعالج بازالة الورم عبر فتح عظم الجمجمة وذلك عند وجود ورم ضخم ممتد الى داخل انسجة الدماغ مما قد يتعذر ازالته عن طريق المنظار.